السبت 21 ديسمبر 2024 مـ 05:52 مـ 19 جمادى آخر 1446 هـ
حزب أبناء مصر
رئيس الحزب م. مدحت حسنين بركات
مدحت بركات رئيس حزب أبناء مصر : الجهات المعنية تعمل بشكل مستمر للتصدي لزيف الجماعة الإرهابية وزير الصحة يطلق مشروع الأرشفة المركزية للأشعة والتنفيذ في 70 مستشفى يناير المقبل التضامن: التدخل السريع المركزي ينقذ مسنا قضى نصف عمره بالشارع بلا مأوى «المالية» تعلن مواعيد صرف مرتبات يناير وفبراير ومارس 2025 وزير التعليم العالي يستقبل نظيره الماليزي لبحث سبل التعاون المشترك بين البلدين وزير المالية: إصلاح اقتصادي شامل لتحفيز الاستثمار ودعم النمو المستدام.. «صور» الصحة تعلن إضافة دواء مناعي جديد لعلاج مرضى ”سرطان الكبد” رئيس الوزراء يُصاب بدوار لدقائق أثناء المؤتمر الصحفي ثم يستكمل على الهواء وزير الصحة يستعرض أبرز مؤشرات تطور المنظومة الصحية بين عامي 2014 و2024 رئيس الوزراء يتابع مع وزير الاتصالات مستجدات العمل في عدد من الملفات رئيس الوزراء يلتقي عددا من مسئولي الشركات الإماراتية لمناقشة مشروعات استثمارية وزير الإسكان يعرض التجربة العمرانية المصرية على نظيره السوداني

قهوة بالحبهان

مروة الحمدي    مروة الحمدي

توجد بعض الكليشيهات في حياتنا، اعتدنا على تقبلها كما هي دون وعي أو تفكير، وقد حدث لي شخصياً موقف جعلني أعيد التفكير في مفهوم كلمة “مُتَعَلِم”، وهي المرتبطة في أذهاننا بخريج الجامعة أو الحاصل على الثانوية العامة.

كنت مسافرة إلى الإسكندرية بالقطار، وأنا من عاشقي السفر بالقطار، لأنه بالنسبة لي حالة من النشوى والسعادة، فما إن أصل إلى محطة القطار، حتى ينتابني إحساس السكينة منذ لحظة رؤية ساحة المحطة الفسيحة، وعمدانها الكبيرة، وأكشاك بيع التذاكر المزدحمة، ربما لأن هذا الجو يذكرني بأفلام الأبيض والأسود، التي كنا نرى فيها المجتمع المصري في حالة من الرقي و البساطة.

توجهت كعادتي للبحث عن أقرب بائع جرائد و كتب، فكنت أريد أن أكمل حالة  إندماج مشهد محطة القطار الذي أعيشه، بقراءة رواية جديدة أثناء تناولي فنجان من القهوة التركي المحوجة بالحبهان، التي أدمنت تناولها في كافيتريا المحطة، وأثناء عملية البحث عن بائع كتب و مجلات، رأيت شاباً في حوالي الـ17 من عمره، يضع  أمامه “فرشة كتب” على الأرض، وقد تم رصها بطريقة منظمة ومريحة للأعصاب، وبدأت أقلب بين الكتب لألتقط إحدى روايات بهاء طاهر، و رواية أخرى لأحمد مراد، ومجموعة قصص قصيرة لأحمد خالد توفيق.

وباغتني الشاب قائلاً: “هذه الرواية جميلة يا أستاذة”.. كانت رواية 1919 لأحمد مراد، في الحقيقة، أحسست أنه يقول لي هذا الكلام لمجرد تشجيعي على الشراء ليس أكثر كعادة البائعين، و لكنه فاجأني بنقده لأسلوب كتابة أحمد مراد، مما عكس أنه قرأ الرواية  بالفعل، بل تطرق في الحديث ليرشح لي أحد كتب د. لطيفة سالم، و هو كتاب “فاروق من الميلاد إلى الرحيل”، و يبدو أنني لم أستطع إخفاء دهشتي الشديدة من ثقافة الشاب، وأسلوب حواره الذي ينم عن وعي و سعة أفق، ولاحظ الشاب دهشتي ليبتسم قائلاً: “متستغربيش يا أستاذة، أنا صحيح على باب الله، ومدخلتش مدارس، لكن الحمدلله ربنا رزقني بنعمة القراية”!.

و ما إن دفعت له ثمن الكتب، حتى توجهت مسرعة إلى القطار، فقد حان موعده، وارتميت على مقعدي أقلب بين الكتب التي اشتريتها، ولا تزال تتردد في رأسي جملة الشاب “ربنا رزقني بنعمة القراية”.. ما أجمل هذه الجملة!.

وقد تحرك القطار وأنا لا أزال أسترجع حديث الشاب، و استعجبت كثيرًا، سبحان الله، عجيبة هذه الدنيا بمنطقها المعاكس، فهناك شباب من خريجي الجامعات لا يتحلون بربع ثقافة ووعي هذا الشاب، واستحضرت حينها حديثاً كنت قد سمعته من إمام الدعاة الشيخ الشعراوي، قال رحمه الله: “إن الله سبحانه وتعالى أحياناً يمسك عنا بعض النعم لكي يمنحنا نعماً أخرى نحن أشد حاجة إليها”.. فمثلاً هذا الشاب ربما إذا كان قد نشأ بين أحضان عائلة متيسرة الحال، والتحق بأفضل الجامعات، ربما كان انجرف وراء ملذات الحياة التافهة، ولكن نشأته في مجتمع بسيط، وإمكانيات مادية متواضعة، جعلته يثقف نفسه بنفسه، لكي يتسع أفقه، ويتغذى عقله، ويصبح قادراً على مواجهة الحياة، والتعايش معها.

ومع مقولة الشيخ الشعراوي، أستحضر مقولة الكاتب مصطفى صادق الرافعي: “إن الله لا يمسك عنا فضله إلا حين نطلب ما ليس لنا أو ما لسنا له”.. أترككم الآن لأكمل تناول قهوتي المفضلة بالحبهان!.