الـوَرَم
ميشيل حنا
في البداية، لم يُبدِ فريد قلقا من ذلك النتوء الذى لاحظه يبرز من بطنه مؤخرا، فقد ظن أنه مجرد كرش بدأ فى التكوّن من قلة الحركة وكثرة الجلوس، خاصة أنه يمارس عملا مكتبيا، كما أنه أكل أمس الكثير من الجاتو فى حفل عيد ميلاد صديقه أيمن، وقد ظن أن هذا النتوء نتج عن أكل الجاتو، وهذا الاعتقاد إن دلّ على شىء فيدل على مدى سذاجة ذلك المخلوق المدعو فريد.
لكن فريد بدأ يقلق، ففى اليوم التالى كان النتوء قد صار أكبر وهو لم يأكل أى نوع من الجاتو فى الليلة السابقة، وهنا رفع فريد طرف قميصه أمام المرآة ليفاجأ بأن له بطنا كبيرا حقا.
عزا فريد هذا الأمر إلى كونه لم ير بطنه منذ عدة سنوات، ذلك أنه يخلع النظارة عند الاستحمام وبالتالى لا يرى شيئا.
أنزل فريد طرف القميص وقرر أن يتناسى الأمر برمته.
فى اليوم التالى صار الأمر أسوأ. لم يستطع فريد إغلاق أزرار القميص. حاول جاهدا لكنه لم يقدر. لم يقلق فريد بشأن غرابة ذلك النتوء المتضخم قدر قلقه من أنه لن يستطيع أن يذهب إلى العمل بقميص مفتوح الأزرار. أخذ يفكر حتى اهتدى إلى فكرة ارتداء جلباب فضفاض.
صحيح أنه ليس من اللائق أن يذهب إلى العمل بالجلباب، إلا أنه ليس لديه خيار آخر، كما أنه لا يوجد قانون يمنع الناس من الذهاب إلى العمل بالجلاليب.
فى المصلحة الحكومية التى يعمل بها، كان جميع زملائه ينظرون إليه بقلق. نصحه اثنان منهم بالذهاب إلى طبيب بمجرد حلول موعد الانصراف، بينما عرض ثالث أن يأخذه إلى المستشفى لأنه يعرف أنه إنسان سلبى إلى أقصى حد، حتى أنه يخجل من الذهاب إلى الطبيب وبث شكواه. كانوا متأكدين أنه سينصرف إلى منزله ويتناسى الأمر، وهو ما حدث فعلا.
بعد أن انصرف زملاؤه الذين أوصلوه، شعر فريد بإرهاق فرقد على السرير. لاحظ أن كرشه حجب منظر الغرفة عنه. فكر فريد: يبدو أن الأمر خطير فعلا!.
كان جلد فريد قد بدأ فى التشقق، وتحول إلى قنوات حمراء من دم متجلط تعبر بطنه فى كل الاتجاهات. لم يتحمل جلد فريد كل هذا التمدد المفاجئ والمتسارع لبطنه. بدا بطن فريد أكبر بكثير من بطن امرأة حبلى فى شهرها التاسع وبداخلها توأم.
كان فريد قد فقد القدرة على الحركة وظل ممددا على السرير على ظهره حتى الصباح، وعند الظهيرة أتت سيارة إسعاف طلبها زملاؤه الذين قلقوا لتغيبه عن العمل، وحملته إلى المستشفى.
كان الأمر قد أصبح أسوأ وقد انفتح أحد الشقوق الجلدية فى بطنه وأخذ ينزف باستمرار. وفى المستشفى لم يصدقوا أن هذا الورم عمره ثلاث ليال فقط. فى البداية كان عليهم إيقاف النزيف وتضميد شقوق البطن النازفة، ثم تعليق محاليل الملح والجلوكوز لتعويض الفترة التى ظل فيها بلا طعام أو ماء. بعد ذلك أجروا مسحا بالسونار على البطن أظهر جسما معتما غير واضح المعالم وله حجم هائل يقبع داخل التجويف البريتونى. كان الجسم يتحرك باستمرار، وقد أقسم الفنّى إنه عندما أعاد قياس حجم الجسم بالجهاز لاحظ أنه زاد قليلا، وعندما أعاد القياس ليتأكد وجد أن القياس الجديد أكبر من القياسين السابقين.
لم يجد أى من الأطباء المناوبين تفسيرا للمسألة، وقد أمطروا فريد، الذى كان لم يفقد بعد القدرة على الكلام والتنفس، بالأسئلة عن تاريخ الحالة، محاولين التوصل إلى أى إشارة نافعة قد تساعدهم على تشخيص هذه الحالة الغريبة، إلا أنه اكتفى بطمأنتهم ألا يقلقوا، وأخذ يردد أن كل ما يفعلونه ليس ذا فائدة.
كانت نتائج تحاليل المعمل قد ظهرت مسجلة ارتفاعا هائلا فى نسبة جلوكوز الدم والأجسام الكيتونية وإنزيمات تحليل الدهون، وقد بدا أن جسم فريد يتحلل لصالح الورم.
استمر الورم فى النمو، وبحلول مساء ذلك اليوم الذى انتقل فيه فريد إلى المستشفى، كان كل من يرى فريد يكاد يقسم أن ما يراه هو مجرد ورم وقد نبت له ساقان نحيلتان وذراعان ضامرتان، ورأس صغير، هم كل ما تبقى من فريد.
راح فريد فى غيبوبة فى التاسعة والنصف، وبعدها بساعة توقف عن التنفس، لكن أجهزة التنفس الصناعى حافظت عليه حيا لساعة أخرى، وفى نحو الحادية عشرة والنصف توقف فريد عن الحياة. تم إيقاف الأجهزة عن العمل، وسحب الملاءة البيضاء على وجهه. خرج الجميع من الغرفة فى انتظار إتمام الإجراءات.
كان جسد فريد المسجى وحيدا فى الغرفة شبه المظلمة، وقد بدا أنه لم يمت تماما، ففى تمام الثانية عشرة كان الورم، الذى أصبح يغطيه تماما الآن، قد بدأ يهتز. فى البداية قليلا، ثم ازداد الاهتزاز حتى تزحزح السرير من مكانه، وفجأة انشق بطنه وانحسرت عنه الملاءة ونهض رجل بالغ شاهق البياض مغطى بدم متجلط، وصرخ صرخة هائلة هزت جدران المستشفى، تحولت بعدها الصرخة إلى ضحكة خليعة ماجنة.
كان الرجل العارى يقف فوق السرير على ما تبقى من جسد فريد، وقد أخذ يركل ما تبقى منه حتى ألقى بقاياه على الأرض. نزل الرجل من فوق السرير وقد أخذ ينفض الدم المتجلّط الذى يغطى كتفيه وشعره، وفتح الباب وهو لايزال يضحك، مواجها الأفواه المفغورة والحدقات المتسعة، مشهرا عريه فى وجوههم.
كانت هناك حالة عامة من الصراخ والذعر. لم يجرؤ أحد على اعتراض طريقه – حتى رجال الأمن الذين يقفون فى الخارج – حين خرج من باب المستشفى الزجاجى وكان لايزال يضحك بمُجون.
مقالات قد تعجبك